في الطائرة، وأنا عائد من الكويت تذكرت المثقف والسياسي و«الإنسان» الجميل أحمد الربعي، الذي وافق الخامس من هذا الشهر ذكرى وفاته، حيث رحل «الاستثنائي» في 5 مارس 2008، بعد معاناته مع المرض اللئيم، الذي واجهه أبو قتيبة بكل حيوية وصلابة حتى أيامه الأخيرة
الذي ذكرني بالربعي هو وجودي في الكويت الأيام الماضية تلبية لدعوة من مجلة «العربي» الكويتية التي عقدت ندوة حافلة عن (الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة). لا يهم هنا الإشارة إلى مضامين هذه الندوة ونقاشاتها، فبعض هذه النقاشات مكرر وبعضه جديد، وبعضه خارج إطار النقاش، على عادة العرب في تحويل كل شيء إلى جدل سياسي. فقد استمعت إلى جدالات من يُعتقد أنهم «نخب» عربية عن وجود مؤامرة خفية من أمريكا للسيطرة على حركات ونقرات العرب على الإنترنت، فكل نقرة إصبع عربي على الكيبورد مدرجة في ملفات (السي آي أيه) وتخضع للتحليل حسب كلام أحد ممثلي «النخب» العربية في الندوة
ما علينا.. كما يقول إخواننا المصريون. المهم أنني أجد أنه من الواجب تسجيل كلمة في حق جهود الكويت الثقافية، وقد صدق رئيس تحرير «العربي» سليمان العسكري حين قال في الندوة: إن العالم العربي عرف الكويت ثقافيا قبل أن يعرفه سياسيا، وأكبر مثال على ذلك مجلة «العربي» نفسها، التي شرقت وغربت في العالم العربي قبل بزوغ عصر الفضائيات والإنترنت، وقدم محتوى ثقافيا راقيا بسعر زهيد. وقد كانت هذه المجلة ترجمة حقيقية لهدف قرار إنشائها الذي صدر عام 1958، حيث جاء في النص الحكومي «رأت دائرة المطبوعات والنشر أن علينا واجبا ثقافيا يجب أن نضطلع به ونؤديه لسائر أبناء العروبة خدمة قومية مجردة من كل غرض أو هدف يفسد معاني الخدمة القومية الحقة»
ترأس تحرير «العربي» أسماء عربية لامعة في عالم الثقافة والصحافة مثل أحمد زكي وأحمد بهاء الدين، وصولا إلى المثقف الكويتي الجاد محمد الرميحي، ثم الملتزم سليمان العسكري
وأجيال تربت على هذه المجلة العظيمة، ومعها إصدارات المجلس الوطني للثقافة في الكويت، هذه الإصدارات التي غذت عقولا ونفوسا من موريتانيا إلى العراق، وبسعر زهيد يقارب المجاني
كل هذا تذكرته، وأنا أرتفع بالطائرة فوق مدينة الكويت وأتذكر كيف أسهم هذا البلد الصغير في إثراء العالم العربي كله ثقافيا، ثم أعود في كرسي الطائرة، أطالع في الصحف الكويتية أمامي فأجد عناوين الأخبار تتحدث عن مناقشة الرياضة النسائية حلال أم حرام، وخبر اغتيال مكذوب عن مرشح نيابي يميني، ومهرجانات خطابية وعظية وإنشادية.. ومع هذه الصور أتذكر أحمد الربعي المليء بالحلم المستقبلي، أتذكر كل هذا وأنا أودع أحد نجوم مجلة «العربي» الصديق إبراهيم المليفي، الذي كان له الفضل بتذكيرنا بزمن أحمد الربعي في مقاله الاستذكاري يوم وفاته
سلام لأحمد الربعي ولأحلامه الباقية، وسلام لكويت «عالم المعرفة» ومجلة «العربي»
مشاري الذايدي